الحراك الشعبي الجزائري وتناقضاته
بعد مضيّ أكثر من ثلاثة أشهر على بداية حراك شعبي لا سابق له ضدّ النظام في الجزائر، يجد الأول نفسه في مواجهة تحدّيات مرتبطة بالانقسامات الأيديولوجية، والتناقضات الطبقية بين مكوناته المختلفة، ومجموعة من المطالب العالية السقف، وغياب التنظيم الفعلي. هذا الواقع المعقّد يتناقض جذرياً والتظهير الإعلامي للحراك، والميل إلى أسطرته باعتباره تجسيداً لحالة استثنائية من الانصهار الوطني تتجاوز التناقضات الطبقية والأيديولوجية.
عالم الاجتماع السويسري جان زيغلر: قدر الرأسماليّة أن تُدمّر
في عمله الأخير الذي يحمل راهنيّة قصوى، يدين عالم الاجتماع السويسري جان زيغلر (1934) «النظام العالميّ المتوحش» الذي يخلق الوفرة لأقليّة صغيرة والبؤس القاتل للأغلبيّة. يعود كتاب «أشرح الرأسماليّة لابنتي الصغيرة، على أمل أن ترى نهايته» (دار سوي ــــ 2018 ــــ Le capitalisme expliqué à ma petite-fille (en espérant qu’elle en verra la fin)) بطريقة تعليميّة إلى الأسس الأيديولوجيّة وولادة وتطوّر نظام رأسماليّ قاسٍ يعمل عبر المراكمة الثروات بلا حدود وتركيزها في أيدي أقليّة. يحاكم نائب رئيس اللجنة الاستشاريّة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مجتمع الاستهلاك السائد والاغتراب الذي يوّلده. لكنه يذكّر أيضاً بثراء وتنوّع والوزن المتعاظم للمجتمع المدنيّ العالميّ المصرّ على مقاومة ديكتاتوريّة أوليغارشيّة رأس المال الماليّ المعولمة على كلّ الجبهات. في هذا الحوار، يذكّر المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة حول الحقوق والتغذية (2000- 2008) بضرورة تدمير نظام صار «خطراً على الكوكب على نحو قاتل» لفتح الطريق أمام بروز مجتمع متساو يحلم الجميع به في شكل يوتوبيا.
الماك، أو إنحذار مشروع إستعماري
في 3 حزيران/جوان 2018، دعا زعيم «حركة تقرير مصير منطقة القبائل ـــ الماك» فرحات مهني، من لندن، «الشباب القبائليّ» إلى تشكيل «هيكل إجهاد»، أي بعبارة أخرى إنشاء قوّة مسلّحة تعمل ضدّ أجهزة أمن الدولة الجزائريّة، ما أثار سخطاً عاماً وسلسلة ردود أفعال غاضبة. وحظيت هذه الدعوة، التي قُدمت على أنّها «مرحلة جديدة في مسار تحقيق استقلال منطقة القبائل»، بسيل من التعليقات، شملت نقداً قاسياً حتى من صفوف أنصار القضيّة البربريّة الذين اعتبروها غير مسؤولة وخطيرة. لقد انتقلت حركة «الماك» التي تأسست في 2001 على يد مهني (وهو يقيم اليوم في المنفى)، من الدعوة إلى الحكم الذاتيّ الذي يفترض اعترافاً رسميّاً بالدولة الجزائريّة وجزائريّة منطقة القبائل إلى الخيار الاستقلاليّ الذي صارت معه الحركة تعتبر الدولة والأمّة الجزائريّتين «كيانين استعماريّين». في هذه المقابلة يحلّل محند بيري، أستاذ الفلسفة والمساعد السابق خلال التسعينات لأحمد محساس (أحد مُطلقي الثورة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1954)، مسار تطرّف «الماك» والتقاءها الاستراتيجيّ مع… إسرائيل.
ثغرة خطيرة في الذاكرة العربية: نسيان تعددية مصادر الثقافة العربية
يبدو أكثر وأكثر ان تطور الثقافة العربية في العقود الأخيرة يؤدي الى نوع من التصحر الناتج عن عوامل عديدة ومنها بشكل خاص ذوبان هذه الثقافة في مناقشات حادة حول الدين الإسلامي بين نظرة معتدلة اليه ونظرة متشددة وراديكالية. وقد اجتاحت القضايا الدينية معظم الحيّز العقلي والثقافي والسياسي للمجتمعات العربية. وهذا التطور الخطير ناتج عن وطأة وسائل الإعلام العربية والغربية على هذه الأمور وكذلك أعمال أكاديمية الطابع من قبل عدد كبير من المثقفين العرب والغربيين. أضف الى ذلك العديد من المؤلفات العربية التي تعيدنا الى الماضي مثل الكتابات حول الفتنة الكبرى وحول الخلافات الدينية والعقيدية التي برزت في القرون الأولى من نشر الديانة الإسلامية ومدارسها الفقهية المتعددة؛ أو المؤلفات التي تسعى الى تبيان ماهية العقل العربي وتكوينه وكأنه عقل جامد يعتمد بشكل شبه حصري على رؤية دينية الى العالم