كيف تفكّر الاستخبارات الوطنية الأمريكية في عام 2019؟

عداد: باسم راشد – باحث متخصص في العلاقات الدولية

كشف “دان كوتس” (مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية) في يناير 2019، عن الاستراتيجية الجديدة التي تُوضح التوجه الاستراتيجي لمجتمع الاستخبارات، خلال السنوات الأربع المقبلة، وتنسيق جهودها مع استراتيجية الأمن القومي التي أُعلن عنها في ديسمبر ٢٠١٧، وتحديد الأولويات والأهداف، وجعلها أكثر تكاملًا ومرونة وابتكارًا، لمواجهة التهديدات المختلفة للأمن القومي للولايات المتحدة.

 

يتكون المجتمع الاستخباراتي من سبع عشرة وكالة استخباراتية؛ منها مكتب مدير الاستخبارات الوطنية (ODNI)، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ووكالة الاستخبارات العسكرية (DIA)، ووكالة الأمن القومي (NSA)، والوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية (NGA)، ومكتب الاستطلاع الوطني (NRO)، ومكتب الاستخبارات والأمن التابع لوزارة الأمن الوطني، وغيرها.

ترتكز الاستراتيجية على ثلاثة عناصر أساسية؛ يتعلق أولها بالأهداف التي يجب أن يحققها المجتمع الاستخباراتي الأمريكي، وينصرف ثانيها إلى قدراته المطلوب بناؤها لتحقيق أهداف الاستراتيجية، ويرتبط ثالثها بتقييم عام لأداء الاستخبارات يتضمن أهم الإنجازات التي حققتها، وكذلك المخاطر والتحديات التي تواجهها.

لبيئة الاستراتيجية 

تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة أكثر تعقيدًا وتنوعًا مما سبق؛ إذ سيستمر الخصوم التقليديون (روسيا والصين) في استغلال الظروف المتغيرة في البيئة الدولية لإضعاف واشنطن، عبر الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة لتشكيل تهديدات جديدة ومتطورة، ولا سيما في الفضاء، والمجال السيبراني، وغيرها من التكنولوجيات الناشئة والمدمرة، كالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي تستخدمها موسكو وبكين لتقليل الفعالية العسكرية الأمريكية.

ومع نمو القدرات السيبرانية للخصوم، فإنها ستشكل تهديدًا متزايدًا للأمن الأمريكي، بما في ذلك البنية التحتية الحيوية، والصحة العامة، والسلامة، والازدهار الاقتصادي، والاستقرار، فضلًا عن إفقاد الثقة في المؤسسات والمعايير العالمية الأمريكية.

كما تتيح التقنيات الناشئة (مثل: الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والحوسبة عالية الأداء) قدرات عسكرية واستخباراتية جديدة ومحسنة للخصوم، وفي ظل عدم وجود معايير أخلاقية ومصالح مشتركة تحكم هذه التطورات، فإنها ستمثل تهديدًا كبيرًا للمصالح والأمن الأمريكيين.

من ناحية أخرى، ساهمت التطورات الديمقراطية في مجال الاتصالات في إنشاء وتبادل كميات هائلة ومتزايدة من المعلومات أبعد وأسرع من أي وقت مضى. وبرغم ما توفره تلك البيانات من فرص كبيرة لمجتمع الاستخبارات من حيث طرق جديدة لتجميع البيانات، وإمكانية الحصول على رؤية أكبر؛ إلا أنها أيضًا تتحدى قدرة المجتمع الاستخباراتي على جمع ومعالجة وتقييم وتحليل مثل هذه البيانات الهائلة من البيانات بسرعة كافية لتوفير رؤية مفيدة لعملائها.

وفي السياق نفسه، ستستمر بعض الجماعات المتطرفة العنيفة في الاستفادة من هذه البيانات المتاحة، ومن دوافع عدم الاستقرار؛ في الرغبة في السيطرة على مزيد من الأراضي، والتمرد والتخطيط للهجمات الخارجية، وإلهام المتابعين لشن هجمات أينما كانوا حول العالم.

كما أن تزايد ظاهرة الهجرة العالمية أصبح يمثل عبئًا على جميع حكومات العالم، ومن المرجح أن يؤدي إلى مزيد من التشتت في المجتمعات، مما قد يزيد من دوافع التطرف. وقد تشمل بعض المناطق تدفقات متزايدة من المهاجرين؛ من أهمها مناطق الندرة الاقتصادية الشديدة، أو ندرة الموارد الأخرى، والمناطق التي تهددها التغيرات المناخية، والمناطق التي تتفشى بها الأمراض المعدية، أو مناطق المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية.

سبعة أهداف

تتمثل أهداف الاستراتيجية فيما يجب أن يحققه مجتمع الاستخبارات من أنشطة ونتائج ضرورية لتقديم معلومات دقيقة وثمينة ودعم استخباراتي موضوعي. وتتناول أهدافها السبعة مجموعة واسعة من القضايا التي تواجه الاستخبارات وترتيبها ضمن قائمة أولويات الأمن القومي الأمريكي. وتتمثل تلك الأهداف فيما يلي:

أولًا- تعزيز الذكاء الاستراتيجي (Strategic Intelligence): سيتحقق هذا الهدف من خلال قيام مجتمع الاستخبارات بتحديد وتقييم قدرات وأنشطة ونوايا الدول والفاعلين من غير الدول، وبناء الخبرات والمعرفة بالقضايا ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة، وتقييم الاتجاهات والتطورات المتعلقة بهذه القضايا؛ لتطوير فهم عميق للبيئة الاستراتيجية من حيث الفرص أو التهديدات. بالإضافة إلى التحذير من التطورات المستقبلية بشأن القضايا ذات الاهتمام الدائم (كالإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود)، ودعم القرارات الاستراتيجية الخاصة بالأمن القومي الأمريكي.

ثانيًا- تطوير الذكاء الاستباقي (Anticipatory Intelligence): وذلك من خلال عدة آليات؛ من أهمها: تطوير أساليب كمية، وتقنيات تحليل البيانات، لتحسين قدرة مجتمع الاستخبارات على تحديد وتحليل الظروف المتغيرة والاتجاهات الجديدة والناشئة، وزيادة الفهم المشترك لنطاق الذكاء الاستباقي وأساليبه المختلفة، لتطوير كفاءات القوى العاملة في هذه المهارات، والعمل على إزالة الحواجز الثقافية، والتكنولوجية، ورأس المال البشري، وغيرها؛ لإدماج الذكاء الاستباقي في الجهود التحليلية الروتينية للاستخبارات. فضلًا عن تطوير قدرات متكاملة لإنشاء تنبيهات داخل المجتمع الاستخباراتي للتحذير من التهديدات الموجهة لمصالح الولايات المتحدة، وكذلك الاطلاع على الفرص الجديدة.

ثالثًا- دعم العمليات الاستخباراتية: من خلال تقديم الدعم الاستخباراتي في الوقت المناسب لتمكين العمليات المخطط لها والجارية، وتطوير بنية استخبارات قوية ومتينة توفر دعمًا استخباراتيًّا عمليًّا للحفاظ على ميزة اتخاذ القرارات التشغيلية. بالإضافة إلى توسيع التعاون مع الشركاء المحليين والعالميين لتحقيق أقصى قدر من الفعالية، وإجراء عمليات استخباراتية حساسة لدعم إجراءات الأمن القومي.

رابعًا- مواجهة مخاطر التهديد السيبراني: بزيادة الوعي والفهم لاستخدام الخصوم للعمليات السيبرانية، بما في ذلك خطط القيادات والنوايا والقدرات والعمليات، والعمل على كشف التهديدات السيبرانية من الفاعلين من الدول أو من غير الدول، لدعم صنع قرارات الأمن القومي، والأمن السيبراني، وتطوير مجموعة كاملة من نظم الاستجابة، وتوسيع قدرات الولايات المتحدة على تنفيذ الخطط والعمليات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية والمالية والاستخباراتية، وتنفيذ القانون لردع ومكافحة الأنشطة السيبرانية.

خامسًا- مكافحة الإرهاب: تتطلب الطبيعة الديناميكية للتهديد الإرهابي الذي تواجهه الولايات المتحدة التركيز المستمر على جمع المعلومات وتحليلها. وسيتحقق هدف مكافحة الإرهاب من خلال جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، لتمكين تعطيل الهجمات الإرهابية قبل تنفيذها، والتخطيط لها، وإعاقة الأنشطة المتعلقة بالإرهاب. فضلًا عن تحديد التهديدات الناشئة والمتغيرة، والأيديولوجيات المتطرفة العنيفة لتطوير الفرص لمواجهتها. إضافة إلى توسيع وتعميق المعرفة الاستراتيجية بمشهد الإرهاب العالمي؛ لتوفير السياق لواشنطن وعملائها.

سادسًا- تعزيز نظام منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال تعزيز جهود الحكومة الأمريكية في تأمين مخزونات أسلحة الدمار الشامل على مستوى العالم، وتعطيل برامج الخصوم، ومنع نقل تلك الأسلحة أو التكنولوجيات أو المواد والخبرات ذات الصلة. بالإضافة إلى تعزيز القدرة على توقع وإدارة أزماتها، بما في ذلك الكشف المحتمل أو الضياع أو السرقة أو استخدام المواد أو الأسلحة ذات الصلة. فضلًا عن ضرورة تطوير القدرات الاستخباراتية لتعزيز فهم برامج أسلحة الدمار الشامل الأجنبية، والتكنولوجيا والمواد ذات الصلة، والخبرة اللازمة بين الوكالات الاستخباراتية لتوجيه التخطيط الفعَّال والعمليات الاستراتيجية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *