عن إشكالية الحمض النووي المراسل في لقاح فيروس كورونا

عدد المشاهدات: 754
نموذج_ثلاثي_الأبعاد_لفيروس_كورونا

في الوقت الذي تعرف فيه معضم الدول المتقدمة حملات تلقيح هائلة ظد فيروس كورونا، تتصاعد، هنا وهناك, بعض التساؤلات الشرعية حول هوية و نجاعة و آثار بعض اللقاحات ذوي التصميم المبني على الحمض النووي المراسل.
فما هي هذه التكنولوجيا التي تعتمد عليها هذه اللقاحات الجديدة التي تم تطورها بسرعة مذهلة، لم يعهد لها مثيل سابق؟

تلخيص عبد العزيز وانجلي

في شهر نوفمبر الفارط، أعلنت مخابر البحث و التجربة الأمريكية، بفايزير/بايو آن تاك من جهة, وموديرنا من جهة أخرى, عن إيجابية النتائج الأولية لفعالية لقاحهما المضاد لفيروس كوڢيد-19. حيث بات هذا الخبر العلمي منبع أمل لكل ربوع العالم بعد عام من ضهورالجائحة. و في وهلة قصيرة لا تفوق الشهرين تم نشر النتائج المرحلية الثالثة التي باشرتها شركة بفايزير/بايو آن تاك في المجلة العلمية البرطانية للبحث الطبي (إينغلاند جوورنال أوف ميديسين).
وقد وضعت مجموعة خبراء ميكروبيولوجيون أوربيون تحت المجهر مزايا وحدود هذه اللقاحات الجديدة التي تؤثر على بنية الحمض النووي، للإجابة على السؤال : هل من المحتمل أن تقوم لقاحات الحمض النووي المراسل، بتعديل نهائي في البنية الجنية للمريض (الجينوم)؟
و وما فتئت ان تكون الإجابة كلاسيكية بمبدأ التطعيم البسيط الذي ينطوي على حقن شكل ضعيف أو معطل من عامل الفيروس المعدي، أو بعض مكوناته ، في الجسم لتحضيره للتلامس اللاحق مع الفيروس الفاعل ذاته. إن مواجهة الكائن الحي مع العامل الممرض أثناء التطعيم يجعل من الممكن تطوير خلايا مناعية بشكل “ذاكرة” ، قادرة على التعرف على هذا العامل الفاعل مباشرة بعد تعرض الفرد له “بشكل طبيعي”. والهدف هو إثارة رد فعل مناعي لمنع التلوث المحتمل في المستقبل.
وللذكر فإن هذه اللقاحات هي الأولى من نوعها،التي تصل إلى المرحلة الثالثة من التجارب الفعلية. لذلك يعتبر القاح النووي لبفايزير /بايو آن تاك ضد كوڢيد-19 أول لقاح يعتمد على هذه التقنية يتم اعتماده من قبل السلطات التنظيمية.
و يختلف مبدأ لقاحات الحمض النووي (لقاح الحمض النووي الريبيARN أو الحمض النوويADN) قليلاً عما تم شرحه سابقًا ، حتى ولو كانت الفكرة الأساسية هي إعطاء جهاز المناعة “إغراء عدوى” لدفعه لتطويرالأجسام المضادة ضد الفيروس.
ولذلك فإن الأمر يتعلق بالتسبب في إنتاج شظايا العوامل المعدية مباشرة بواسطة خلايا الفرد الملقح. لهذا ، لا يتم حقن الفيروس في شكله الموهن ، ولكن فقط جزيئات الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي التي تشفر بروتينات العامل الممرض.

وفي بهذا ستصبح خلايا الشخص المُلقح (خلايا العضلات وخلايا الجهاز المناعي بشكل أساسي) قادرة على تصنيع البروتينات المذكورة نفسها ، واختيارها في المنبع لقدرتها على إثارة استجابة مناعية كبيرة.
و لذالك يعتبر كل من لقاح بفايزير / بايو آن تاك و موديرنا من لقاحات الحمض النووي الريبي. وهي تستند إلى حقن الحمض النووي المراسل الذي يشفر بروتين سبايك الموجود على سطح فيروس كورونا (سارس كوف2). والجدير بالذكر أن هذا البروتين هو “مفتاح” الفيروس ليرتبط بالخلايا ، ثم يدخلها ويصيبها بالعدوى. فان هذا النموذج قد تسبب في الوصول إلى اختيار تكنولوجية لقاح الحمض النووي الريبي بدلاً من لقاح الحمض النووي بحيث يمكن إنتاج بروتين سبايك مباشرةً في سيتوبلازم خلايا الشخص الملقح ، دون المرور عبر النواة.
ومع ذلك ، في حالة هذه اللقاحات الجديدة ، فإن الأمر يتعلق بالتسبب في إنتاج شظايا العوامل المعدية مباشرة بواسطة خلايا الفرد الملقح. لهذا ، لا يتم حقن الفيروس في شكله الموهن ، ولكن فقط جزيئات الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي التي تشفر بروتينات العامل الممرض.
ورغم حداثة هذه التكنولوجيا على المستوى الإعلامي عقب الإعلآن بالنتائج الميدانية للشركتان الأمريكيتان، إلا أنها ليست جديدة العهد. حيث يعمل الباحثون على هذا الموضوع لعدة عقود في ضروف تقنية صعبة و عقبات فنية.
فقد بات حجم جزيئات الحمض النووي والحمض النووي الريبي مشكلة بشكل خاص ، وهو ما يفسر جزئيًا سبب وصول تقنية اللقاح هذه إلى وقت قريب فقط إلى المراحل الطبية الميدانية. جزيئات الآرآن آ ، على سبيل المثال ، أكبر بعشر مرات من مستضد في شكل بروتين يُحقن مباشرة عبر لقاح تقليدي. بالنسبة للعلماء ، كان من الضروري تطوير نظام لنقل هذه الجزيئات إلى المكان الصحيح ، داخل الخلايا المعنية. ومع ذلك ، لم يتم العثور على حلول إلا مؤخرًا. على سبيل المثال ، تستخدم شركتا بفايزير / بايو آن تاك و موديرنا جزيئات “نانوليبيد” لنقل الحمض النووي الريبي للقاح إلى الخلايا. ويشبه تكوين هذه الجسيمات النانوية الدهون الموجودة في أغشية جميع الخلايا في جسم الإنسان طبيعا، وبالتالي لا تمثل أي خطر عليه.